أذان وإقامة المولود

كيفية الأذان والإقامة في أذن المولود

يُعتبر المولود نعمة عظيمة من الله عز وجل، وحدثًا مفصليًا في حياة الأبوين، يحمل في طيّاته مسؤولية عظيمة تبدأ منذ اللحظات الأولى لولادته. ومن السنة النبوية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يتعلق باستقبال المولود الجديد ببعض الشعائر الإسلامية ذات الدلالات التربوية والعقائدية العميقة، ومنها الأذان والإقامة في أذنه. وقد حرص المسلمون على مر العصور على تطبيق هذه السنن كوسيلة لتربية الطفل على الإسلام منذ ولادته، وغرس العقيدة الصحيحة في وجدانه منذ اللحظات الأولى من حياته.

المعنى الشرعي للأذان والإقامة

الأذان لغةً: الإعلام. وشرعًا: كلمات مخصوصة يُعلَن بها دخول وقت الصلاة.

أما الإقامة فهي: الإعلام ببدء الصلاة، وهي أيضًا كلمات مخصوصة شبيهة بالأذان ولكن مع بعض الاختلافات اللفظية.

وهذه الألفاظ ذاتها التي تُرفع في المساجد للصلاة، هي التي يتم ترديدها في أذن المولود عند ولادته، لكنها لا تُقال هنا بغرض الإعلام بالصلاة، بل لأهداف روحية وتربوية تتعلق بالتنشئة الإسلامية السليمة.

الأصل في الأذان في أذن المولود

الأذان في أذن المولود ورد فيه حديث رواه الإمام أبو داود في سننه، عن أبي رافع قال:

“رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة”

— رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقد صحّحه بعض العلماء كالإمام النووي والحافظ ابن حجر، وأوردوا أن المقصود به هو سنة مستحبة يُراد بها إيصال أول كلمة يسمعها الطفل وهي “الله أكبر”، و”لا إله إلا الله”، ما يجعل التوحيد أول ما يلامس سمعه.

أما الإقامة فقد وردت في بعض الآثار، لكن الحديث الذي ورد بشأن الإقامة أضعف من حديث الأذان، إلا أن العمل بها جائز عند طائفة من العلماء على اعتبارها سنة حسنة، ولا تعارض ما ثبت من السُّنّة الصحيحة.

كيفية الأذان في أذن المولود

1. التوقيت

يُستحب أن يُؤذَّن في أذن المولود اليمنى فور ولادته أو بعد تنظيفه ولفّه، أي في الساعات أو اللحظات الأولى من ولادته، وقد أجاز بعض العلماء التأخير لساعات أو يوم، لكن الأفضل أن يتم ذلك مبكرًا.

2. الجهة

يُؤذَّن في الأذن اليمنى فقط، اتباعًا لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

3. الصيغة

تُؤذَّن الكلمات المعتادة للأذان في أذن المولود بنفس الترتيب المعروف، دون إضافة أو نقصان، وهي:

الله أكبر، الله أكبر

الله أكبر، الله أكبر

أشهد أن لا إله إلا الله

أشهد أن لا إله إلا الله

أشهد أن محمدًا رسول الله

أشهد أن محمدًا رسول الله

حي على الصلاة

حي على الصلاة

حي على الفلاح

حي على الفلاح

الله أكبر، الله أكبر

لا إله إلا الله

ويُراعى خفض الصوت بحيث لا يؤذي الطفل، ولكن يسمعه بشكل خفيف وواضح.

كيفية الإقامة في أذن المولود

1. التوقيت

تكون بعد الأذان مباشرة، أو بعد دقائق، وتكون في الأذن اليسرى، وهي سنة عند بعض الفقهاء، مستندين إلى آثار وليس إلى أحاديث صحيحة مرفوعة، لكن لا بأس بفعلها ما لم يُعتقد أنها واجبة.

2. الجهة

يُقيم المؤذِّن في الأذن اليسرى للمولود.

3. الصيغة

الإقامة تُقال كما تقال للصلاة، وتكون بصيغة:

الله أكبر، الله أكبر

أشهد أن لا إله إلا الله

أشهد أن محمدًا رسول الله

حي على الصلاة

حي على الفلاح

قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة

الله أكبر، الله أكبر

لا إله إلا الله

ويُستحب أن يُراعى في ذلك الترتيب والخفض في الصوت، تمامًا كما في الأذان.

الحكمة من الأذان والإقامة في أذن المولود

الأذان والإقامة في أذن الطفل ليستا مجرد شعائر شكلية، بل لهما معانٍ عميقة ترتبط بعقيدة التوحيد والتربية الإسلامية، ومن أبرز الحكم:

1. غرس العقيدة

أن يسمع الطفل في أول لحظات حياته كلمات التوحيد (الله أكبر، لا إله إلا الله)، يعزز الجانب الإيماني الفطري في نفسه منذ البداية.

2. ارتباط الطفل بالصلاة

حين يكون أول ما يسمعه الإنسان في حياته هو الأذان، وآخر ما يُقال عند وفاته هو الشهادة، يكون ذلك دورة متكاملة تركز على ربطه بالصلاة والعبادة في مختلف مراحل حياته.

3. التحصين الروحي

يُقال إن الأذان يُبعد الشيطان، ففي الحديث الصحيح:

“إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين” — متفق عليه.

فكذلك يُرجى أن يكون للأذان في أذن المولود أثر في طرد الشياطين عنه في بدايات حياته.

آراء الفقهاء في حكم الأذان في أذن المولود

المالكية:

لم ير المالكية الأذان في أذن المولود من السنن المؤكدة، ولم ينص عليه الإمام مالك، بل اعتبره بعضهم من الأمور المستحدثة، اعتمادًا على عدم ورود الحديث في موطأ الإمام مالك.

الشافعية:

استحبّوا الأذان في الأذن اليمنى للمولود، ونقل الإمام النووي أن الحديث حسن، وأنه من السنن المستحبة.

الحنابلة:

يرون أن الأذان سنة مستحبة، ويُفضل أن يُقال في الأذن اليمنى، والإقامة في اليسرى، ولو بعد ساعات من الولادة.

الحنفية:

لم يشددوا على المسألة، لكنهم أجازوها واستحبوها باعتبارها سنة غير مؤكدة.

آداب أخرى مرتبطة باستقبال المولود

من المهم أن يُشار إلى أن الأذان والإقامة ليستا الشعيرتين الوحيدتين المتعلقتين بالمولود، بل هناك شعائر أخرى تمثل النسق المتكامل للعناية بالمولود في الإسلام، مثل:

الخلاصة الفقهية

• الأذان في أذن المولود اليمنى سنة مستحبة عند جمهور العلماء، ثابتة بحديث حسن.

• الإقامة في الأذن اليسرى مشروعة عند بعض الفقهاء، ولا بأس بها ما لم تُعتقد فرضًا.

• يراعى في كل من الأذان والإقامة خفض الصوت، والرفق بالطفل.

• الغرض الأساسي من هذه الشعائر هو تربية الطفل على العقيدة الإسلامية منذ اللحظات الأولى من ولادته.

المراجع

• النووي، “المجموع شرح المهذب”، دار الفكر.

• ابن حجر العسقلاني، “فتح الباري بشرح صحيح البخاري”، دار المعرفة.